السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إلي الأخت الكريمة مرسلة الرسالة الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلي آله وصحبه وبعد :
أولا هذه الرسالة التي تمتلأ ضلالاً واعتقاداً مخالفاً لما عليه عقيدة أهل السنة والجماعة في ثبوت عذاب القبر ونعيمه ونذكر أولاً عقيدة أهل السنة في ذلك ونورد بعض الأدلة الصحيحة القطعية في ثبوت عذاب القبر ونعيمه .
ونرد بعد ذلك علي ضلالات تلك الرسالة إن شاء الله تعالي .
أولاً : إن الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين من أمور العقيدة المجمع عليها عند أهل السنة والجماعة .
روي البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ) قال نزلت في عذاب القبر فيقال له من ربك فيقول ربي الله ونبيي محمد صلي الله عليه وسلم فذلك قول الله عز وجل ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة )
قوله سبحانه: ( وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدواً وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب )
قال ابن كثير: ( إن أرواحهم تعرض علي النار صباحاً ومساءا ً إلي يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم إلي النار ولهذا قال (ويوم القيامة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب ) أي أشده ألماً وأعظمه نكالاً وهذه الأية أصل كبير في استدلال أهل السنة علي عذاب البرزخ في القبور وهي قوله ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ) غافر 46 ( تفسير ابن كثير ج12ص19
والعجب ممن طمس الله بصيرته فادعي أن قوله تعالي النار يعرضون عليها غدوا وعشيا هو عذاب الدنيا الذي حاق بفرعون وقومه من الآيات كالجراد والقمل والضفادع والدم فكيف حرف وجعل قول موسي عليه السلام فلا يأمنوا حتي يروا العذاب الأليم ) ولاشك أن تلك الأيات من العذاب ولكن هل ورد أبدا في اللغة وكلام العرب الذي خوطبنا به أن البلاءات والآيات التي تعد من العذاب في الدنيا يمكن أن تطلق عليها لفظ النار .
وادعى أن قوله تعالي يعرضون عليها غدواً وعشيا قال ليس في القبر غدواً ولاعشيا .
ومع أن ذلك من الغيب وقد يكون في القبر غدواً وعشيا إلا أن المعني أنهم يعرضون علي النار في أوقات الغدو والعشي التي يعرفها الناس .
ومن أدلة عذاب القبر من القرآن قوله تعالي في سورة التوبة ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا علي النفاق لاتعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلي عذاب عظيم ) قال ابن جرير الطبري عن قتادة ( سنعذبهم مرتين ) عذاب الدنيا وعذاب القبر ( ثم يردون إلي عذاب عظيم ) التوبة 101 ) تفسير الطبري ج14ص 442
والإستدلال بالآية بين واضح فلايستطيع مدعي أن يقول إن المقصود بقوله سنعذبهم مرتين هو عذاب في الدنيا لأنه لايمكن لكل منافق من الأعراب ومن أهل المدينة أن يعذبوا جميعهم مرتين في الدنيا ثم يردون إلي عذاب أليم يوم القيامة .
وإنما المعني أنهم يعذبون مرة في الدنيا بأنواع العذاب المختلفة ويعذبون مرة في القبر مرة أيضاً بأنواع العذاب المختلفة ثم يردون إلي عذاب أليم يوم القيامة .
أما الإستدلال بنعيم القبر من القرآن فقد قال تعالي: ( ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) آل عمران 170-169)
روي مسلم عن مسروق قال سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية قال أما إنا سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح حيث شاءت ثم تأوي إلي تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم إطلاعة فقال هل تشتهون شيئاً قالوا أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا يارب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتي نقتل في سبيلك مرة أخري فلما رأي أن ليس لهم حاجة تركوا ) رواه مسلم .
والآية ظاهرة في أن النعيم والرزق الذي يناله الشهداء عند ربهم في الآية إنما هو في البرزخ ينعمون بدليل قوله تعالي ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم -في دار الدنيا - ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون )
ويؤكد ذلك الحديث ويبين صفة النعيم الذي ينعم به أرواح الشهداء في دار البرزخ .
أما أدلة عذاب القبر ونعيمه من السنة فنذكر بعضاً منها :
روي البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ ( اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار ومن عذاب النار ومن فتنة القبر وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة الغني وأعوذ بك من فتنة الفقر وأعوذ بك من فتنة الدجال ) رواه البخاري
والفتنة في اللغة الإختبار
وفتنة القبر : سؤال الميت عن ربه و دينه ونبيه ( شرح لمعة الإعتقاد للشيخ ابن عثيمين
روي البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ( قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي قبرين فقال ( إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لايستتر من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة )
قال النووي في هذا الحديث إثبات عذاب القبر وهو مذهب اهل الحق ( مسلم بشرح النووي ج2ص206
روي الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة ( الصباح ) والعشي ( المساء ) إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتي يبعثك الله يوم القيامة ) البخاري ومسلم قال ابن حجر رحمه الله في هذا الحديث إثبات عذاب القبر وان الروح لاتفني بفناء الجسد ( فتح الباري لابن حجر ج3ص287)
روي مسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً حبسونا وشغلونا عن الصلاة الوسطي حتي غابت الشمس )
وروي البخاري ومسلم ( عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( العبد إذا وضع في قبره وتولي وذهب أصحابه حتي إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له ماكنت تقول في هذا الرجل محمد صلي الله عليه وسلم فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال أنظر إلي مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة قال النبي صلي الله عليه وسلم فيراهما جميعاً وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري كنت أقول مايقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه ( من ملائكة وغيرهم ) إلا الثقلين ( الجن والإنس ) . قال النووي: ( قال أصحابنا ( الشافعية ) لا يمنع من سؤال الملكين وعذاب القبر كون الميت قد تفرقت أجزاؤه كما نشاهد في العادة أو أكلته السباع أو حيتان البحر أو نحو ذلك فكما أن الله تعالي يعيده للحشر وهو سبحانه قادر علي ذلك فكذا يعيد الحياة إلي جزء منه أو أجزاء وإن أكلته السباع والحيتان فإن قيل نحن نشاهد الميت علي حاله في قبره فكيف يسأل ويقعد ويضرب بمطارق من حديد ولايظهر له أثر فالجواب أن ذلك غير ممتنع بل له نظير في العادة وهو النائم فإنه يجد لذة وآلاماً ولا نحس نحن شيئاً منها وكذا يجد اليقظان لذة وألماً لما يسمعه أو يفكر فيه ولايشاهد ذلك جليسه منه وكذا كان جبرائيل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره بالوحي الكريم ولايدركه الحاضرون وكل هذا ظاهر جلي وأما ضربه بالمطارق فلا يمتنع أن يوسع له في قبره فيقعد ويضرب ) مسلم بشرح النووي ج9ص 224 ) وهذه الأدلة بعض من أدلة كثيرة متواترة في ثبوت عذاب القبر ونعيمه وهو إجماع أهل السنة ومعتقد أهل الحق جميعا من السلف والخلف قال ابن تيمية أحاديث عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير كثيرة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( مجموع فتاوي ابن تيمية ج14ص 285
وسئل ابن تيمية رحمه الله عن عذاب القبر هل هو علي النفس والبدن أو علي النفس دون البدن ؟ فأجاب رحمه الله العذاب والنعيم علي النفس والبدن جميعاً بإتفاق أهل السنة والجماعة ( مجموع فتاوي ابن تيمية ج4ص282
وكل ذلك مثبت في كتب اعتقاد السلف مثل ( شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ج2 ص 163 - كتاب فتح القدير للشوكاني1ص184 - معارج القبول لحافظ أحمد حكمي ج2 ص117 - )
وعلي الجملة المنكرون لعذاب القبر هم الخوارج والجهمية وأكثر المعتزلة .
حكم من انكر عذاب القبر
قال الإمام أحمد رحمه الله عذاب القبر حق لا ينكره إلا ضال مضل ( الروح لابن القيم ص77 )
قال ابن تيمية رحمه الله ( من حجد شيئاً من الشرائع الظاهرة وكان حديث عهد بالإسلام أو ناشئاً ببلد جهل لايكفر حتي تبلغه الحجة النبوية وكذلك العكس إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم فاغتفرت لعدم بلوغ الحجة له فلا يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول فلهذا يبدع من بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك ( مجموع فتاوي ابن تيمية ج6 ص61
دار الإفتاء المصرية السؤال ينكر بعض الناس أن هناك نعيما وعذابا في القبر فما هو رأي الدين في ذلك الجواب قال الشيخ عطية صقر رحمه الله ( رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر ) نعيم القبر وعذابه ثابتان بأدلة كثيرة منها ( ثم ذكر سبعة أدلة من الكتاب والسنة )
أما قول صاحب الرسالة أن القرآن لم يذكر عذاب القبر وأن أبا لهب وهو من هو في الكفر لم يذكر أنه يعذب في القبر .
فهذا يجاب عنه بأنه علي فرض عدم ثبوت عذاب القبر في الكتاب -وهذا غير صحيح كما بينا في الرسالة - علي فرض صحة ذلك فقد ثبت عذاب القبر ونعيمه بآحاديث صحيحة بلغت حد التواتر ولايردها إلا ضال يدعي أنه لايؤمن إلا بما ورد في القرآن ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن منكر السنة يكفر بذلك وهم من يسمون أنفسهم كذباً بالقرآنيين .
وهؤلاء مقصدهم هدم الشريعة وأصول الدين فمن أين في القرآن مثلا أن الصلوات هن خمس في اليوم والليلة وأين مواقيت تلك الصلوات في القرآن وأين زكاة البقر والغنم وأنصبتها ونصاب زكاة الذهب والفضة وسائر شروط الزكاة من حول مع بلوغ النصاب أين هذا في القرآن .
وأين في القرآن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها .
وأين في القرآن تحريم أكل الحمار الأهلي وأكل كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من السباع إلي غير ذلك من الأحكام من المعلوم أن معتقد أهل السنة أن أصول الإعتقاد وكذلك الشرائع تثبت بالكتاب والسنة جميعاً أو بالكتاب وحده أو بالسنة الصحيحة وحدها .
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه-يعني السنة - لا يوشك رجل شبعان علي أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وماوجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا أكل ذي ناب من السبع ولا لقط معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها .. ... )
صححه الألباني في صحيح أبي داود .
ومن المعلوم أن كثير من المحرمات الثابتة قد ثبتت بحديث آحاد صحيح .
فكيف بما ثبت بآحاديث متواترة .
أما قول هذا القائل أن كهنة الدين -كما يقول يرهبون المسلمون بهذا العذاب وأنه يقع بهم أكثر من غيرهم من الكفار مثلا فقد ضل وكذب
فإن الكافر والمنافقين يعذب في قبره عذاب لا ينقطع عنه أما المسلم فقد يعذب حيناً ويخفف عنه وينقطع عنه بحسب ذنوبه ومن عقيدة أهل السنة أن ذلك العذاب هو من مكفرات ذنوب المسلم .
ثانياً : الآيات التي ذكرها في ذكر النار وعذاب النار هم يمنع من وجود عذاب النار أن يعذب الكافرون والمتافقون وبعض المسلمين في القبر لايمنع أبداً وقد ثبتت الأدلة بذلك .
ثم الآيات التي ذكرها في أن من يخرج من قبره ويري النار أنهم يتفاجئون بها فيقول لو كانوا يعذبون ويرون مقعدهم فكيف يتفاجئون فنقول إن النار وهولها وسمومها وعذابها من يراها عيانا يعلم بيقين انه يفاجأ بها وإن كان يعذب ببعض العذاب في القبر فما يعذب به لا يداني أهوال النار وعذابها .
وبالجملة أوصى نفسي وإياكم بنهج السلف الصالح والإعتناء بدراسة عقيدة أهل السنة والجماعة من كتب العقيدة لعلماء أهل السنة حتي لايدخل عليكم شبه المبطلين ولاضلالات المضلين